أصبحت ظاهرة الطلاق متفشية بشكل غير مسبوق لدى الجاليات العربية المقيمة في الولايات المتحدة الأمريكيّة، ولئن تعدّدت الأسباب فإنّ النتيجة واحدة وهو تفكّك الرابط الأسري وضياع الأبناء وانكسارهم وجدانيّا وحتى مادّيا وتربويّا.
نسب طلاق مرتفعة:
تشير أغلب المصادر والدراسات إلى أن نسب الطلاق في الولايات المتحدة بلغت أكثر من 60%، كما تشير أيضًا إلى أن أكثر من 80% من المتزوجات لمدة 15 سنة أصبحن مطلقات، وأن هناك أكثر من مليوني امرأة يعشن وحيدات مع أطفالهن.
ولا شك أن انتهاء 60% من الزيجات بالطلاق هي نسبة مخيفة جدًا، ولها دلالات وتأثيرات عميقة على بيئة المجتمع، وعلى تشكيل مفهوم الزواج لدى الشباب الأميركي، ومما لا شك فيه أيضًا أن هناك أسبابا قوية تدفع مؤسسة الزواج للانهيار بهذا الشكل الحاد.
هذه القضية هامة جدًا، فهي قضية العصر كما يقولون، ولا بد لها من حل، لكن أولاً علينا أن نوضح أن الطلاق أمر موجود ومشروع دينيّا، وهناك سورة كاملة في القراّن الكريم اسمها سورة الطلاق، لكن الملفت للنظر هو هذه النسبة المرتفعة من حالات الطلاق.
وقد أظهرت بعض الدراسات مؤخرًا أنّ أعلى معدلات الطلاق موجودة في العالم العربي، وتقول الدراسة إنه في مصر على سبيل المثال تحدث حالة طلاق واحدة كل أربع دقائق، وفي الكويت تصل نسب الطلاق إلى 62.7% من إجمالي حالات الزواج، وفي الأردن هناك 60 حالة طلاق تقع يوميًا، وفي لبنان حدثت 8580 حالة طلاق عام 2017، بينما شهدت الجزائر 68 ألف حالة طلاق في السنة الماضية.
وقد تكون النسب المرتفعة للطلاق في العالم العربي مفهومة في ظل صعوبة العيش والظروف الحياتية الصعبة، ولكن في بلد مثل أمريكا من المفترض أن الناس يعيشون في راحة وظروف معيشية أفضل، كما أن ظروف الحياة الزوجية في أمريكا لها اعتبارات أخرى، ورغم ذلك نجد أن نسب الطلاق مرتفعة، وفي بعض الأحيان يكون الطلاق سببًا في وجود حالات مزعجة جدًا، حيث تكون المرأة ليس لها أهل، ولا يوجد معها غير زوجها الذي جاءت معه إلى أمريكا، وكذلك هناك أولاد يتشردون.
لذلك فإن مناقشة هذا الموضوع وأسبابه وسبل علاجه هام جدًا، حيث يجب علينا أن نسلط الضوء عليه دائما، وننبه الناس إلى خطورة الطلاق وارتفاع نسبه، وكيف يمكن أن نعالجها، ونحد منها، لكي نعيش كمجتمع متكامل، ونحافظ على الأسرة، وندرك قيمة الحفاظ على الأسرة في المجتمع العربي والمجتمع الإسلامي في الغرب.
أسباب متنوعة للطلاق:
مشاكل الطلاق متعددة، وتختلف من أسرة لأخرى، ومن بيئة لأخرى، والمشكلة تكمن في مسألة حسن الاختيار، وهو أمر هام جدًا، فالملاحظ في بيئتنا العربية للأسف أن من يختار شريك الحياة ليس الزوج ولا الزوجة، بل الأب والأم هم من يختارون لأبنائهم، وحالات الزواج بهذه الطريقة تخلق مشاكل، خاصة إذا كان هناك فارق في المستوى الثقافي والتعليمي وطريقة ومكان النشأة.
فالزوجة قد تأتي للزوج من خارج أمريكا أو العكس، وقد لا يكون هناك أي انسجام بينهما، بسبب صعوبة تعلم اللغة، مع وجود صعوبة في التفاهم وفي طريقة التفكير. وكذلك عدم الانسجام الفكري منذ البداية من شأنه أن يؤدي إلى عدم وجود توافق بين الزوجين، حيث يحس كل منهما أن الآخر قد تم فرضه عليه أحدهما على الآخر، ولم يكن له دور في الاختيار، وهذا يكون سببا مهما من أسباب الطلاق، حتى لو استمر الزواج عدة سنوات. وهناك من جهة أخرى بعض الرجال عقلياتهم مستبدة، ويمنعون الزوجة من العمل وقيادة السيارة وما إلى ذلك، وهذه العقلية ليست هي العقلية التي دعانا إليها الإسلام.
وإلى جانب ذلك فإن كل شيء في عصرنا الحالي يمكن أن يُساء استخدامه، فالحرية الموجودة في مجتمع مثل المجتمع الأمريكي لا يجب أن تكون سببًا في تدمير الجاليات العربية، وهذه الحرية وطبيعة الحياة الموجودة في أمريكا يجب ألا يُساء استخدامها. والتعامل مع هذا الأمر يتعلق بمستوى وعي الشخص وعلمه وخبرته ومستوى إدراكه، فقد يكون هناك شخص يمتلك المال، لكن هذا المال قد يكون سببًا في تدمير الأسرة، خاصة إذا كان يلعب القمار وغير ذلك من العادات السيئة، والسبب هنا هو عدم وعي هذا الشخص، فهناك من يستغل المال لتحقيق النجاح والشهرة والقوة، ويساعد أسرته ويفيدها.
ما الحلّ لتطويق ظاهرة الطلاق؟
الأكيد أنه إذا أردنا أن نحُدّ من حالات الطلاق وانهيار الأسرة فلابد أن ننشر الوعي في المجتمع بقيمة الأسرة وأهمية الحفاظ عليها، لكن للأسف فإن الجالية العربية في أمريكا تبتعد عن العلم والتوعية، لذلك نشهد هذه الحالات وهذه النتائج، ونقصد بالبعد عن العلم أنه في أي أسرة يكون هناك من يخطط لنزهة أو لإجازة، لكن يجب على الأسرة الموجودة في أمريكا أن يكون لديها مخطط لتعليم أبنائها، وأن يكون عندها مورد للوعي الثقافي والاجتماعي لينهضوا بهذه الأسرة.