سجّلت روسيا أعلى معدّلات التبرّع بالحيوانات المنويّة في العالم، وهي ظاهرة أخذت نسقا تصاعديّا في هذا البلد مما يطرح تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة. ومع انتشار بنوك الحيوانات المنوية أو النطف في روسيا، تتّجه آلاف العائلات العاجزة عن الإنجاب لأسباب صحية وكذلك النساء غير المتزوجات إلى تلك البنوك لتحقيق حلم إنجاب طفل. وتقدّم عيادات في البلاد خدمات وساطة ما بين الراغبين في الإنجاب والمتبرّعين بالحيوانات المنوية، مع مراعاة الجوانب القانونية والمعايير الصحية، علماً أنّه يشترط على المتبرّع ألا يتجاوز 35 عاماً من العمر ويكون خالياً من أيّ مشكلة صحية. ويحقّ للمتبرّع الاختيار ما بين السريّة وما بين الإعلان عن تبرّعه، وفي الحالة الثانية يعني الأمر موافقته على تواصل الطفل معه في حال رغب في ذلك بعد بلوغه 18 عاماً.
طلبات كثيرة للحيوانات المنويّة:
يقول مدير بنك “ريبروبنك” للحيوانات المنوية في موسكو، أفتانديل تشوغوفادزه، إنّ “قاصدي عيادتي هم إمّا عائلات يعاني الزوج فيها من عقم أو مرض وراثي خطير، وإمّا نساء غير متزوجات قرّرن إنجاب طفل لأنفسهنّ”، متوقعاً “توسّعاً تدريجياً في هذا السوق”. ويضيف تشوغوفادزه أنّه “بحسب الإحصاءات الأخيرة عن عام 2016، بلغ عدد عمليات التبرّع بالحيوانات المنوية في روسيا نحو 8500 تبرّع، وهو ما يعني 8500 عملية تلقيح صناعي باختلافها”، مقدّراً أنّ “العدد قد يكون ارتفع إلى تسعة آلاف حالة في العام الماضي”.
ويشير تشوغوفادزه إلى أنّ “النساء اللواتي يئسنَ من العثور على زوج مناسب، يجدنَ أمامهنّ ثلاث طرق للحمل والإنجاب”، شارحاً أنّ “الطريقة الأولى هي التوجّه إلى بنك الحيوانات المنوية واختيار المتبرّع بحسب المواصفات التي تفضّلها كلّ واحدة منهنّ. ثمّة نساء يرغبنَ مثلاً في أن يكون المتبرّع حاصلاً على شهادة جامعية وأخريات يردنه أشقر مع عينَين زرقاوَين. وفي إمكان هؤلاء الاطّلاع على صور المتبرّع في طفولته، أو حتى اختيار متبرّع أجنبي. وفي جميع الأحوال يتمّ التأكد من سلامة حيواناته المنوية”. ويضيف المتحدّث أنّ “الطريقة الثانية هي لجوء النساء إلى متبرّعين عبر الإنترنت، لكنّها محفوفة بالمخاطر. أمّا الطريقة الثالثة فتقضي بالعثور على رجل بهدف الحمل، من دون نيّة الارتباط والزواج به، لكنّ هذا ليس تبرعاً بالمعنى الحرفي للكلمة.
صفحات شهيرة لعرض الخدمات:
تم إنشاء عديد الصفحات على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي بروسيا والهدف منها عرض الحيوانات المنوية للبيع أو أحيانا التبرّع بها، فعديد الرجال في روسيا أصبحوا يمتهنون هذه “التجارة” وعادة ما تكون الشابات غير المتزوّجات هن الحريفات إذ يرغبن في الأمومة دون الزواج.. وتجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة إعلانات كثيرة على شبكة “فكونتاكتي” الروسية للتواصل الاجتماعي يعرض من خلالها الرجال “خدمة التبرّع بالحيوانات المنوية”. وتتضمّن تلك الإعلانات معلومات عن طول المتبرّع ووزنه، بالإضافة إلى إثباتات حول عدم إصابته بأيّ مرض وراثي وأنّه سبق له إنجاب أطفال سالمين ذهنياً وبدنياً، مع ضمان سرية العملية. لكنّ بعض الأطباء يحذّرون من “المخاطر الصحية والقانونية للجوء إلى مثل تلك الخدمات، بعيداً عن العيادات المختصة”، خاصة أنّه في الإمكان تزوير أيّ تحاليل طبية، ما لم يتمّ اصطحاب المتبرّع إلى كل المختبرات. ومن الناحية القانونية، فإنّه وبخلاف بنوك الحيوانات المنوية، لا تتوفّر أيّ ضمانات تجزم بأنّ الأب البيولوجي لن يطالب بحقوقه في ما يتعلق بالطفل مستقبلاً، في حين قد ترفع المرأة دعوى إثبات أبوّة للحصول على نفقة. هكذا، لن تحمي أيّ عقود الطرفَين من ذلك، لأنّ القضاء سوف يعدّ العقد باطلاً في حال تعارضه مع القانون الروسي.
وفي أغلب الحالات يكون الحصول على الحيوانات المنوية بمقابل مالي، على الرغم من الحديث عن “تبرّع”. وبحسب الأرقام الواردة على موقع “ريبروبنك”، فإنّ الثمن يبدأ من 300 دولار أميركي للعيّنات الخاصة بالبنك ويتخطّى الألف دولار في حال كان مصدرها عيادة “كاليفورنيا كريوبنك” الأميركية. ويوضح الدكتور تشوغوفادزه الفارق في الأسعار، قائلاً إنّ “نقل الحيوانات المنوية من الخارج في خزانات خاصة يزيد من كلفتها. ومع ذلك، ثمّة 300 أو 400 طلب استقدام من الخارج سنوياً”. ويتابع أنّه “مع ارتفاع مستوى الطبّ في روسيا والأسعار المتدنية بالمقارنة مع الولايات المتحدة الأميركية (على سبيل المثال)، فإنّ السياحة العلاجية راحت تنتشر في روسيا”، متوقعاً “تطوّراً في هذا القطاع في الأعوام المقبلة”. ويؤكد أنّ “الطلب الروسي على هذه الخدمة يزداد عاماً بعد عام”.
إشهار مجاني وقانوني لبعض المتبرّعين:
يوفّر بنك “ريبروبنك” للحيوانات المنوية قائمة تضمّ نحو 100 متبرّع مع صورهم في مرحلة الطفولة وبيانات خاصة بفصيلة الدم والطول ولون الشعر والعينَين، إنّما من دون ذكر أسمائهم. وهؤلاء خضعوا إلى تحاليل دقيقة للتأكد من عدم إصابتهم بنحو 60 مرضاً وراثياً، بالإضافة إلى مقابلتهم معالجين نفسيين.