Skip to contentSkip to sidebarSkip to footer

مواسم هجرة النساء إلى الشمال

مواسم هجرة النساء إلى الشمال

جواز سفر وحقيبة وشال يلفّ الرقبة وانتظار لموعد إقلاع طائرة قاصدةً باريس أو سيدناي أو نيويورك أو غيرها.. أو ربّما قارب متهالك يغصّ بالبشر ويشقّ البحر في جنح الظلام.. لا تهمّ الطريقة والكيفية، بل المهمّ هو الخروج من هذه البلاد أو تلك والوصول إلى بلاد جديدة تمثّل حلم كل راغب في الهجرة.. الأمر هنا لا يخصّ فئة الرجال فتلك ظاهرة قديمة ومتواصلة بأكثر حدّة، بل يخصّ فئة النساء التي لم تكن مهتمّة كثيرا بالهجرة والبحث عن آفاق جديدة للعيش في بلدان ذات رفاهيّة أكبر..
بعد أن عشنا نحن العرب “موسم الهجرة إلى الشمال” في الرواية الشهيرة للطيب صالح، ها إنّنا نعيش اليوم فعليّا “مواسم الهجرة إلى الشمال” مع بقيّة الشعوب التي تعاني الحيف الاجتماعي والاقتصادي في بلدانها الأصليّة. ودول الشمال باتت تجذب إليها أعدادا متزايدة من البشر قادمين خاصّة من دول الجنوب وتحديدا قارّتيْ أفريقيا وآسيا وبعض الدول الفقيرة في جنوب أوروبّا. ولقد أضحت النساء في مقدّمة المهاجرين سواء بالطرق النظاميّة والمشروعة أو الطرق غير النظاميّة وغير المشروعة..
الاضطرار للهجرة:
تشير بعض الإحصاءات إلى أن 130 مليون امرأة عشن خارج بلدانهن الأصلية في عام 2019. وفي ذلك العام وحده، أجبَرَ المرض والكوارث الطبيعية والعنف والفقر عشرات الملايين منهن على النزوح داخله أو الهجرة خارجه. وتهاجر ملايين النساء عبر العالم كل عام بحثًا عن حياة جديدة، يحدوهن في ذلك الخوف أو الأمل أو اليأس.
وتشكل النساء نحو نصف المهاجرين دوليًا وداخل حدود بلدانهم. وقد أفادت “منظمة الهجرة الدولية” أن 272 مليون شخص -130 مليونا منهم نساء- كانوا يعيشون عام 2019 في أرض غير أرض مولدهم. يعيش أزيد من 60 بالمئة من هؤلاء المهاجرين في آسيا وأوروبا. ومع ذلك، فإن أغلب الهجرات الدولية لها طابع إقليمي، وتزداد وتيرتها بين دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء.
وفي العقود الأخيرة، ما فتئت النساء يهاجرن إلى بلدان غنية ليصبحن أنفسهن مُعيلات وليس فقط للانضمام إلى أفراد أسرهنّ. ويشغلن وظائف في مجال رعاية الأطفال والمسنين والأعمال المنزلية، فضلا عن الصناعة والزراعة، وهو تَحول يوصف بكونه “تأنيثًا للهجرة”. والراجح أن المهاجرات اللائي يعشن في الخارج يكن ذوات مؤهلات زائدة عن متطلبات تلك الوظائف، ويكسبن أقل من الرجال، ويرسلن إلى أسرهنّ في بلدانهنّ الأصليّة نصيبًا كبيرًا ممّا يكسبن. وبخصوص النساء الهاربات من العنف والفقر، فالطرق السرية التي يسلكنها تزيد عرضتهن لتجارة الجنس، والاعتداء والاغتصاب. أما النساء اللواتي يقصدن بلدانًا ذات قوانين هشة، أو المهاجرات اللائي لا وثائق ثبوتية لهن، فقد يكون تأمين الحقوق الأساسية بالنسبة إليهن ضربًا من المستحيل.
ولقد ارتفع عدد المهاجرين القسريين بسبب اللجوء أو طلب اللجوء، بنسبة 8 بالمئة سنويا بين عامي 2010 و2017، مقارنة بمعدل الهجرة الدولية الذي يقل عن 2 بالمئة. وشكلت النساء نحو نصف البشر الذين اضطروا للهجرة عام 2019، وعددهم 33.8 مليون. وفي عام 2019، اضطر 33.4 مليون شخص -أزيد من نصفهم نساء- للتنقل داخل بلدانهم، وكانت الكوارث الطبيعية سببًا في 75 بالمئة من الحالات.
قصص حزينة ومرعبة:
عديد النساء المهاجرات يحملن في قلوبهن قصصا تصلح للتحول إلى مادّة روائيّة أو سينمائيّة ضخمة، عادة ما تربط أسباب الهجرة لدى هؤلاء النساء بأنواع القهر الاجتماعي الذي يمارس ضدّ المرأة عموما أو الحيف الاقتصادي الذي تكون المرأة أول ضحاياه.
وقد كانت إحدى المهاجرات الفيتناميّات ضحيّة من ضحايا الظلم والحيف والفقر في بلدها الأصلي. ومن أجل تحسين وضعها المادي ووضع أسرتها، غامرت الشابة الصغيرة “نغوك توين” بمغادرة موطنها بإحدى قرى فيتنام لعقد زواج مرتَّب سلفا برجل من دولة غنيّة وهي سنغافورة.
فـي يوم زفافها، كانت “نغوك توين” محاطة بغرباء. جلست على مقعد خشبي في حديقة سنغافورة النباتية، مرتدية فستانا أحمر مع حواف سوداء واعتمرت رباط رأس من زهور الأقحوان المزينة بالخرز. قابلت العريس قبل شهرين، ولم تتعرف إلى عائلته إلا بعد وصولها منذ 16 يوما. ترجم وسيط زواجٍ الحفلَ إلى الفيتنامية، وختم العروسان فعالية عَقد قرانهما بقبلة جافة على الشفتين. بعد التوقيع على كثير من الوثائق، صار زواج نغوك توين رسميًا. تقول: “إنها بداية جيدة. أريد العمل في القريب العاجل”. هاجرت توين من أجل الزواج؛ وهي واحدة من عشرات آلاف الفيتناميين الذين دأبوا على ذلك خلال العقد الماضي، جلهم من النساء. غالبا ما يبدأ الأمر مع وسطاء زواج يخبرون النساء في القـرى والبلـدات بشـأن رجال زائرين من كوريا الجنوبية والصين وتايوان وسنغافـورة. هكـذا التقـت نغوك تويـن (34 عاما) زوجها السنغافوري “تـوني كونغ” (45 عاما). ظهـرت صورتـه على جـدار وسيط زواج على “فيسبوك” مع عنوان في مدينة “هوشي منه” وموعد مقابلته الزوجات المحتملات واستجوابهن. الشروط واضحة: تأتي النساء مستعدات للتفاوض بشأن رواتب لهن ولأسرهنّ، ويعلن الرجال أجورهم. تريد النساء مقابل جمالهن وشبابهن ومؤانستهن، استقرارًا ماليًا.. وفي حالة نغوك توين، فرصة العمل وإرسال المال إلى عائلتها. فالتحويلات المالية أمر بالغ الأهمية بالمناطق الريفية الفقيرة في فيتنام.
أما قصّة المهاجرة البورميّة ساجدة باهادورميا فهي ذات أبعاد مأسوية لكن بعد الفرار من الاضطهاد الديني وتجشم رحلة مضنية، عثرت رفقة عائلتها على الحرية والدعم في أستراليا.
فـي البدء لم تَعلم ساجدة باهادورميا(26 عاما) أن كان الرجال الذين يرتدون الزي العسكري سيؤذونها. كان ذلك عام 2013، وقد أمضت 14 يوما -من 23 أفريل إلى 6 ماي- في قارب مع زوجها “نعيم الله” وأربعة أطفال، يمخرون عباب بحر تيمور من مدينة ساحلية في إندونيسيا إلى مدينة داروين في أقصى شمال أستراليا. كان القارب البالغ طوله 45 مترًا مكتظا بأزيد من 100 مهاجر من “الروهينغا” أمثالهم الفارين من الاضطهاد في ميانمار (بورما)، فضلا عن عشرات من البنغاليين وصوماليَيْن اثنين. كلما ارتطمت ببدن المركب موجةٌ، كانت ساجدة تحبس أنفاسها وتضم بإحكام إلى خصرها ابنها ذا العام الواحد، فيما أسماك القرش تحوم في المياه المظلمة. سألتها ابنتها “أسماء”، البالغة من العمر آنذاك 10 أعوام: “هل سنموت جميعا؟”. تقول ساجدة: “لقد رسخ ذلك في ذهني. فكرت: إذا أنجاني الله، فلن أعرض أبنائي للخطر مرة أخرى”.
لمّا أدركتهم البحرية الأسترالية، خافت ساجدة أن ينهال البحارة عليها بالضرب أو يهينونها أو يعتدون عليها بطريقة عناصر جيش ميانمار في الوطن. لكنهم كانوا لطفاء، على حد تعبيرها. لقد احترموا العادات الإسلامية، وأجرت النساء فحوصات طبية للاجئين الذين نُقلوا إلى مركز احتجاز في داروين. لطالما اضطهدت حكومة ميانمار الروهينغا، الأقلية المسلمة في البلد. مع اندلاع شرارة العنف عام 2012، اضطرت ساجدة وعائلتها للمغادرة، وبحلول نهاية عام 2017، فر زهاء مليون من الروهينغا إلى بنغلادش المجاورة وأماكن أخرى. تذكر أسماء -البالغة من العمر الآن 16 عاما- الأوقات التي كان فيها العسكر يقتحمون البيوت، وقالت: “لا يمكن للمرء الوثوق بالليل”. لقد اغتصبوا النساء وسحلوا الرجال في الشوارع، وكانوا يعتقلونهم أو يستعملونهم في الأشغال الشاقة. وحظرت حكومة ميانمار كلمة “روهينغا”.
خلال الأشهر الثلاثة التي قضوا في مركز الاحتجاز، شعرت أسماء وساجدة بالإهانة لأن السلطات كانت تخاطبهم بالأرقام وفقًا للقارب الذي وصلوا على متن. ومع ذلك، سرعان ما بدأوا ولوج حياتهم الجديدة. عندما شرعت أسماء في ارتياد المدرسة العامة، لم تكن تتحدث الإنجليزية، لكنها كانت تبتسم وتضحك مع زملائها الأستراليين وهم يتناولون النقانق. تقول أسماء عن هذه الأكلة: “لقد أصبحت مهووسة بها في داروين”. مع مرور الوقت، أعيد توطين ساجدة -البالغة من العمر الآن 32 عاما- وعائلتها في سيدني بموجب برنامج أسترالي دفع تكاليف رحلاتهم الجوية ودعم نفقات معيشتهم خلال الأشهر الأولى. كانوا، بوصفهم لاجئين، مخولين للحصول على المساعدة الحكومية. اكتشفت ساجدة صلصة “الكاتشاب” وأغرمت بالشواء الأسترالي. تطوعت في مطبخ مجتمعي، وحصلت على وظيفة بدوام جزئي في مدرسة أطفالها، وتعلمت قيادة السيارة. انتقلت العائلة إلى بيت جديد في لاكيمبا، إحدى ضواحي سيدني حيث تستعمل لغة الروهينغا في الشارع. رأت الفرحة في عيون أطفالها حين فتحوا باب منزلهم الأول. 

The Princess Magazine, Monthly Magazine in Huoston

© 2024 The Princess Magazine. All Rights Reserved. Design and Hosting by CodeYea.com

Sign Up to Our Newsletter