Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

“إنّي أعاني، إنّي أموت، إنّي حطام” !! قصص نساء منتحرات وأزواج مجرمين طلقاء

“إنّي أعاني، إنّي أموت، إنّي حطام” !! قصص نساء منتحرات وأزواج مجرمين طلقاء

يقتلها بدم بارد ثم ينصرف إلى المقهى ليعود فيما بعد ويتصل بالشرطة ليخبرهم بأن زوجته انتحرت.. أو يقسو عليها ويغلق في وجهها كل أبواب الأمل ويشجّعها على الانتحار فتنتحر فعلا ويكتفي بإخبار الجهات الأمنية ثم يواصل حياته بشكل طبيعي.. مجرمون أحرار، احترفوا تعذيب زوجاتهنّ بل وقتلهنّ ثم يستفيدون من صمت المجتمع وصمت العائلات وتواطؤ القوانين والأجهزة الأمنية والقضائية معهم لإخفاء جرائمهم.

هذه بعض عيّنات معاناة النساء في العراق حيث تضافرت ضدّهنّ كلّ أسباب الموت والعذاب.

قصص محزنة

مروة، تبلغ من العمر 19 عاماً، بيضاء البشرة، متعرضة لكدمات مختلفة على الرقبة والصدر والكف الأيسر. بنيتها الجسدية هزيلة. سبب الوفاة الاختناق شنقاً. فارقت الحياة في 20 أفبريل 2022، حسب تقرير الطبيب الشرعي. ليلة وفاة مروة، اتصلت بوالدتها لتطلب منها مبلغاً من المال لتدفعه لمدرستها، فهي ما زالت في المرحلة الثانوية. يروي علي أبو صبيع، والد الضحية: “حين وصلت إلى البيت، سمعت صوت زوجتي تناديني بأن ابنتي تريد محادثتي. أوّل كلمة قالتها وهي تمازحني: بابا بابا 300 ألف هلا.. وهي طريقة يتمازح من خلالها العراقيون من أجل طلب المال عن طريق التحية. كان عمل الوالد متوقفاً نوعاً ما. طلب منها أن تمهله بضعة أيام كي يؤمّنه. أجابته مروة بأن لديها امتحانات وعليها أن تدفع. هنا تدخلت الوالدة. أخذت الهاتف وطلبت أن تتحدث مع زوج ابنتها. يروي والدها: “طلبت منه زوجتي أن يُقرض مروة المال وسيردونه إليه بعد أيّام، فما كان منه إلا أن أنهى المكالمة. توترت زوجتي كثيراً وعند الساعة الخامسة فجراً أرسلت مروة رسالةً صوتيةً تخبر والدتها بأنها ستقرأ القرآن وتخلد إلى النوم”. “عند الساعة الثامنة صباحاً، اتصل والد زوج مروة بي ليبلغني بأن ابنتي انتحرت. شنقت نفسها. توجهنا إلى بيت ابنتي، وهي كانت تقطن مع عائلة زوجها، فوجدنا ابنتي معلقةً بالثريا في غرفة نومها. كانت لحظةً لا توصف. انهارت زوجتي فيما أنا حاولت أن أثبت قليلاً من أجلها، وبدأت سريعاً الشكوك تراودني”، يقول الوالد. ويضيف: “رفضوا الاتصال بالشرطة. اقترب مني والد زوجها ليخبرني بأن العار سيقع علينا لأنها أقدمت على الانتحار، وبأنه علينا أن نُقفل الموضوع بدلاً من السين والجيم والمشكلات التي قد تحلّ علينا. رفضت أن أصغي إليه، فابنتي لم تنتحر”.

اتصل الوالد بأخيه، وطلب إليه أن يُبلغ الشرطة. في هذا الوقت، كان يُراقب البيت وأهله. ينظر إلى زوج ابنته، فلا يجد أي نوع من التأثّر لمقتل زوجته. يقول: “رأيت آثار الأظافر على رقبته وكتفه. لقد استقبلنا حين وصلنا إلى البيت بالقول: “تره هي انتحرت مو آني الي قتلتها”. ابنتي قاومت، وزوجها قام بخنقها، وما الأظافر إلا نتيجة مقاومتها. لقد رأيت أيضاً آثار الأظافر على ظهر الجاني”. كانت مروة تتعرض للعنف الدائم. أخبرت أهلها أكثر من مرّة عن سوء أخلاق زوجها وعن معاملته لها والعنف الذي تتعرض له. لم يمرّ على زواجها سوى 5 أشهر، لذا آثر أهلها الصمت خوفاً من المجتمع في حال أرادوا تطليقها.

يروي الوالد: “القانون لم يُنصفنا. لقد دفعوا الرشاوى كي لا يتم التحقيق في الحادثة. منذ شهرين إلى اليوم، لم يُستدعَ زوجها للتحقيق والاستماع إلى إفادته. حتى الطب العدلي لم ينصف ابنتي خوفاً من الميليشيات والتهديدات”. بعد مناشدات منظمات المجتمع المدني والتواصل مع الناشطات والمدافعات عن حقوق المرأة، تم تحريك الدعوة، وإخراج الجثة من قبرها، ونقلها إلى العاصمة، ولكن حتى اللحظة لم يصدر أي قرار. يكشف الوالد قائلا “هناك ضغوط عشائرية وعروض مادية وصلت إلى مئة ألف دولار من أجل إسكاتي”.

وهذه.. ضحية أخرى

وديان، تبلغ من العمر 27 عاماً، توفيت على إثر إطلاق نار كما كُتب في التقرير الطبي التشريحي، لكن وديان متمسكة بالحياة وهي خريجة جامعة ولن تترك طفليها وهي متعلقة بهما، كما أنها ملتزمة دينياً ولم تفكر في الانتحار أبداً. تروي شقيقة الضحية، و”صندوق أسرارها”، عن وديان التي تُحب الحياة والتي لا يُمكن لها مهما اشتدت بها الأيام أن تُقدم على الانتحار. “لن تنتحر”، وتنفجر بالبكاء. تصمت قليلاً ثُم تعود لتُكمل: “تلقينا اتصالاً الساعة الـ12 ليلاً من أقارب زوج أختي المغدورة ليبلغونا بأن أختى انتحرت. بكل ما اكتنزته من غضب حينها، عاودت الاتصال بهم وطرحت عليهم السؤال: كيف انتحرت؟ أجابوني بكل برودة أعصاب بأن زوجها خرج من المنزل ثم عاد ليجدها منتحرةً”.

تصمت شقيقتها، ويُكمل والد الضحية الحديث: “طلبوا منا أن نحضر لاستلام جثتها. ذهبت إلى الطب العدلي، وتم تسليمي ابنتي، وحين راجعت مركز الشرطة أخبروني بأن المسدس خالٍ من البصمات وبأن الطلقة التي خرجت منه استقرّت في السقف العالي في الغرفة، وبأن مسرح الجريمة نظيف من أي شيء حتى أن الشرطة لم تجد آثار دماء”. يصمت الوالد وعلامات الغضب والحزن بادية على محياه. وتقول شقيقتها: “رفض المركز تزويدنا بأي أوراق تخص الدعوى، وتمّ إخفاء الأطفال عنّا. اتصلتُ بعد أن أكملت مراسيم الدفن بهاتف أختي فأجابتني ابنتها التي تبلغ من العمر خمس سنوات: “خالة قتلوا أمي”، وبعدها تم إغلاق الهاتف ولم نعرف أي شيء عن الأطفال، فيما لم يُتخذ أي إجراء في حق زوجها ولم يُفتح تحقيق في الحادثة”.

شجّعها على الانتحار بدم بارد.

ملاك، شابة عشرينية، تزوجت بشاب أحبّته بشدة بعد علاقة دامت بينهما، بالرغم من رفض ذويها له، والسبب أن عائلة الشاب متشددة جداً. أصرّت ملاك على الزواج، ودافعت عن حبها وقرّرت الارتباط به، حسب قول شقيقتها. بعد الزواج، مُنعت ملاك من استخدام الهاتف، كما مُنعت من زيارة أهلها وأقاربها. تقول أختها: “لم نعرف أي شي عن حياتها سوى أنها كانت كل بضعة أسابيع تتصل بوالدتي من هاتف زوجها ويكون هو بجوارها، وتخبرنا بأن صحتها جيدة”. كانت والدة ملاك قلقةً دائماً على ابنتها، وحين تفتح الموضوع مع أي ممن حولها يهاجمونها ويتهمونها بأنها تريد تحطيم أسرة ابنتها. بقيت ملاك ثمانية أشهر من دون أن يُسمح لها بزيارة عائلتها. في يوم من الأيام، هددت زوجها بأنها ستُحرق نفسها، فما كان منه إلا أن شجعها على ذلك. سكبت البنزين على نفسها، فاستهزأ بها زوجها وأعطاها القداحة قائلاً: تفضلي واحرقي نفسك، فما كان من ملاك إلا أن أشعلت النار بنفسها. تفاصيل ما حصل معها، سمعته والدة ملاك وشقيقتها سارة في المستشفى. أخبرتهما الضحية أيضاً بأن عائلة زوجها تأخرت في نقلها إلى المستشفى. كانوا يساومونها على أنهم مستعدون لنقلها إلى المستشفى مقابل أن تخبر كل من يسألها بأنها احترقت وهي تعمل في المنزل. بقيت ملاك أياماً عدة في المستشفى، إلا أنها فارقت الحياة، في 18 أفبريل 2020، متأثرةً بحروقها الشديدة. أما زوجها، فهو يعيش اليوم حياته بشكل طبيعي، ولم توجَّه إليه أي تهمة، حتى كمسبب، وتم تسفيره إلى خارج العراق. تُكمل سارة: “تم تهديدي بأنني إن فتحت أوراق القضية، أو تحدثت، فستتم تصفيتي. قالوا لي: “إحنه أولاد العقيد، محد يكدر يحاجينا أو يقاضينا”.

جثّة متفحّمة

طِيبة، فتاة عشرينية، كانت تذهب إلى العمل من أجل كسب قوتها اليومي ودفع الإيجار وتأمين مستلزمات الحياة، فزوجها عاطل عن العمل، وهي تحاول على قدر ما تستطيع جسدياً ونفسياً أن تقوم بما يُمكن لكي تؤمّن حياتهم. تروي والدة طيبة أن شجاراً حصل في أحد الأيام، بين ابنتها وزوجها، ككل الشجارات التي تحدث بينهما بشكل متكرر كونها تحثّه دائماً على إيجاد عمل ليساندها في مصاريف المنزل. تقول: “حاولت أن أهدّئ من روع ابنتي، وما هي إلا ساعات حتى يتصل بي زوجها ليخبرني بلهجة حادة: ‘منا العشر دقايق إذا ما أجيتي أخذت بنتج أكتلها’”. كان الزوج يهدد ويصرخ ويتوعد. سارعت أم طيبة في الذهاب إلى منزل ابنتها. وهي في الطريق، يرن الهاتف ليخبروها بأن ابنتها صارت في المستشفى لأنها أحرقت نفسها. تروي الأم المفجوعة: “لم تستطع ابنتي التحدث نتيجة الحروق البليغة التي أصابتها. ذهبت وقدّمت شكوى ضد زوجها، فقال لي القاضي إنه لا يرغب في ظلم الزوج وزجّه في السجن. لم يُكلّف نفسه حتى فتح تحقيق في ما حصل. هكذا ماتت ابنتي وكأن شيئاً لم يحصل”. بعد مرور أيام، توفيت الشابة العشرينية، في 19 فيفري 2022، متأثرةً بحروقها التي كانت نسبتها 80%. أما العدالة، فهي آخر ما يُمكن أن يتحقق للنساء في هذه البلاد الظالمة. تغرق أم طيبة في صمتها لدقائق، ثم تعود لتقول بنبرة غاضبة: “الزوج حر طليق والقانون مُكبّل”.

ماذا يقول المدافعون عن حقوق المرأة؟

تقول مديرة منظمة حقوق المرأة العراقية: “نرصد حالات كثيرةً ترويها شقيقات الضحايا أو الأقارب أو صديقة مقربة عن بنات تم قتلهن وحرقهن أو شنقهن ومن ثم تسجيلها كحالة انتحار في القضاء”، وتضيف: “في بعض الحالات، أهل الجاني تكون لديهم مقدرة مالية فيزيفون الحقائق عن طريق دفع المال واستخدام الحيل القانونية من أجل التستر على الجريمة وتثبيتها كانتحار”. وتشير إلى أنه “لا يوجد رصد واضح في هذا الشأن بسبب سلطة العشيرة على الفرد، إذ يتم قتل النساء بدم بارد، فيما أحد أهم أسباب هذا القتل هو ثقافة العنف وقانون التأديب في مجتمعنا الذي يعطي الحق للرجل في أن يكون معنفاً ومسيطراً على حياة المرأة بالكامل. نحن نعاني من نسب عالية من زواج القاصرات في المجتمع، وهم شريحة أساسية من ضحايا الانتحار المفتعل”.

موقف الجهات الحكوميّة ضعيف

أعلنت وزارة التخطيط العراقية على موقعها الرسمي عن إحصائية حول تعرّض النساء للعنف، وجاء في التقرير أن 29 في المئة من نساء البلاد تعرّضن للعنف بمختلف أشكاله، بالإضافة إلى تسجيل نسبة مرتفعة للأمية بينهن تبلغ 20 في المئة، وجاء ذلك خلال مؤتمر أقيم في بغداد أعلِنت خلاله نتائج المسح الاقتصادي والاجتماعي المتكامل لأوضاع المرأة في العراق بين عامي 2011 و2021. وأجرت وزارة التخطيط المسح بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، وأثبت أن 29 في المئة من نساء العراق يتعرضن لكل أشكال العنف، ويُعدّ العنف الاقتصادي (تحكّم الزوج بوصول الزوجة إلى الموارد الاقتصادية) أكثر أنواع العنف الذي يمارسه الزوج تجاه زوجته، بنسبة 22 في المئة، يليه العنف اللفظي بنسبة 12 في المئة. أما الأنواع الأخرى، فتقلّ بشكل كبير، كالعنف الجسدي بنسبة 3.6 في المئة، والعنف الجنسي بنسبة 1.8 في المئة. كما أشار المسح إلى أن 25.5 من النساء تزوجن قبل بلوغهن الثامنة عشر من العمر، و10.5 في المئة منهن تزوجن قبل بلوغهن 15 سنةً.

القضاء خاضع وصامت

أثبتت بعض الدراسات الاجتماعية التي تناولت هذه الظاهرة في العراق أنّ القضاء يخضع للمناطقية، والقاضي في المناطق التي تسيطر عليها العشائر والميليشيات يكتب شهادة الشاهد من دون اللجوء إلى التحقيقات، والرشاوى هي سيد المتحكمين في هذه الدعاوى. والواضح أنّ هناك ثغرات قانونية للإفلات من العقاب، فالقانون العراقي يجرّم من حرّض أو ساعد على الانتحار بأي وسيلة كانت، ويعاقبه بالسجن من خمس إلى سبع سنوات بموجب المادة 408 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969. ويتطلب تطبيق هذه المادة وفاة المنتحر لكي يُعدّ المحرّض أو المساعد على الانتحار مجرماً، فإذا حاول الشخص الانتحار بتحريض من آخر أو بمساعدة منه ولم يُتوفَّ، فلا يُعدّ المساعد أو المحرّض مجرماً لأن القانون العراقي لا يرى الشروع في الانتحار جريمةً ولأنه علّق تجريم التحريض والمساعدة على الانتحار وربطه بالانتحار أي بالوفاة، مما شكل ثغرةً قانونيةً يفلت بها من ساعد أو حرض على الانتحار من العقاب.

The Princess Magazine, Monthly Magazine in Huoston

© 2024 The Princess Magazine. All Rights Reserved. Design and Hosting by CodeYea.com

Sign Up to Our Newsletter