Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

المرأة العربيّة ورهان الكتابة

المرأة العربيّة ورهان الكتابة

علي السياري

الكتابة فعل يسبقه فعل آخر هو القراءة. فنحن لا نكتب من فراغ، وإنما انطلاقا من قراءات وبناء عليها. وهو ما يتطلب تخصيص وقت كبير للقراءة والتثقيف والاطلاع، وقد يصل الأمر ببعض الكتّاب إلى حد اختيار العزلة من حين إلى آخر للقراءة والتهام الكتب التي تجعلهم يكتبون ويكتبون !!
لكن إذا كان هذا واقع الكتابة، فمن أين للمرأة العربية بكل هذا الوقت حتى تتمكن من كتابة شيء في المستوى على غرار ما يفعل زميلها الرجل؟ من أين لها بالظروف المشجعة على الكتابة وهي التي تعيش في مجتمع ذكوريّ بامتياز، وحيث هي المسؤولة عن شؤون البيت وعن أبناء وعن زوج قد لا يتسامح دائما إن صدر عنها أي تقصير؟ خصوصا وأن عادات المجتمع العربي وتقاليده ونظرته إلى المرأة – والمرأة الكاتبة تحديدا – تختلف عن نظرة المجتمع الغربي إليها… ولعل أبرز مظاهر الاختلاف تكمن في التسهيلات التي تُتَاح للمرأة الكاتبة (غير العربية) من قبل الزوج، والأسرة أو العائلة، والمجتمع، ولا تُتَاح للكاتبة العربية.
أمام هذه المعضلات، هل تغض المرأة العربية الطرف عن كل الإكراهات وتغلق عليها باب غرفتها وتكتب؟ ههنا نجد أنفسنا أمام إكراه آخر وهو مشكلة الغرفة على رأي الأمريكية فيرجينيا وولف التي ألحّت على ضرورة أن تكون للمرأة الكاتبة غرفة خاصة.
وحتى إن وجدت المرأة العربية هذه الغرفة، كيف تكتب وذهنها مشغول بالزوج والأولاد؟ ولنفترض أنها تنشغل عنهما بأفكار الكتابة، من يضمن لها أنها ستجد الجو المريح للعزلة والكتابة؟ من يضمن لها أن لا أحد من الأبناء والزوج سيفسد عليها خلوتها ويقطع حبل أفكارها بطلب أو عتاب أو حتى مجرد فضول…؟
هذا في حالة ما إذا توفرت لها الغرفة أصلا، لأنه ليس من المعقول أن تنثر المرأة أوراقها ومسوداتها في كل ركن من البيت، وإلا ستفسد ترتيب البيت أولا، وتعرض أفكارها للضياع ثانيا… وحتى إن نجا نتاجها الفكري من الضياع على يد طفل عابث أو خادمة غافلة، فالمؤكد أنها ستعرّض أفكارها للبعثرة، وبالتالي يصعب عليها الرجوع إلى هذه الأفكار للزيادة أو الحذف، ناهيك عن فشلها – ربما – في ترتيبها. ولا يخفى على الكاتب – رجلا كان أم امرأة – أن بين كتابة فكرة وفكرة تضيع أفكار وتتلاشى، لأن الأفكار إما تغيب، وإما تحضر بغزارة فيصعب تجميعها مهما تلاحقت أنفاس الحبر واتسع صدر الورق…
أما إذا تعذر نشر الأفكار حتى على جنبات الأثاث في هذه الغرفة أو تلك، فتلك مصيبة أخرى. مما يضطر تلك الأفكار إلى الاصطدام بسقف المطبخ والسقوط على أرضية المَغْسَل للذوبان مع فقاعات الماء والصابون إن كانت المرأة بصدد غسل الأواني، أو تجبر تلك الأفكار على التحليق في السماء بعيدا بعيدا إن كانت المرأة تنشر الغسيل في الشرفة أو في سطح البيت…
ولا نستغرب بعد هذا أن توصف المرأة التي تبحث عن ذاتها في الكتابة بالمتمردة. حينذاك لا يكون أمام المرأة الكاتبة إلا أن تضحي بقلمها إن كانت مبتدئة، وهذا كثير، أو أن تدخل في سلسلة من الصراعات الاجتماعية التي لا تُحْمَد عقباها والتي تنتهي بالتصدع الأسري بل والانفصال في حالات كثيرة إن كان الزوج متأثرا بالمحيط وغير متفهم لطبيعة العالم الذي تسلّلت إليه المرأة. وهذا لأن الكتابة بالنسبة للمرأة حياة، وإن كانت غالبا بالنسبة للمرأة العربية حياة مدفوعة الثمن من حفيظة استقرارها العائلي والأسري والاجتماعي…
لماذا ننظر إلى المرأة العربية من الخارج فقط كأنها دمية أو عارضة أو آلة للعجن والتفريخ…؟
لماذا لا نوفر للمرأة العربية هامشا للبوح الفكري دون أن تكون مجبرة على تقديم تنازلات؟
لِمَ لا نتفق على أن مساحة الجمال الفكري التي تحتلها المرأة العربية أكبر بكثير وأرحب من حيز جسدي قصير وقاصر سرعان ما يتقلص مع تقدم العمر إلى أن يتلاشى كليا؟
لماذا نغض الطرف عن حقيقة واضحة وضوح الشمس وهي أن الجمال الفكري الذي تتمتع به المرأة أكثر جاذبية من أي جمال جسدي؟
ألا نرى أن جمال الجسد يذبل ويفنى، بينما جمال الفكر لا يتوقف عن النبض إلا مع توقف القلب عن النبض، بل يظل ما تدفق منه خالدا رغم طلوع الروح وفناء الجسد؟
إن النظرة الدونية إلى المرأة العربية وأخلاق تسييد الذكور التي تربى عليها السواد الأعظم من المجتمع العربي هي ما جعل بعض الكتاب والمثقفين المبتدئين يبحثون في شريكات حياتهم عن المرأة التي لا تثير أي جدال فكري مع الرجل، بل التي لا تشغل فكرها أصلا إلا في إنتاج ما يخمد لذة البطن. فهل كان مشروع المثقف هذا يسخر من المرأة العارِفة، أم كان يخشى أن تنافسه في النقاشات الفكرية فيخسر بذلك رهان التحدي؟ وذلك لعلمه اليقين بأنها إذا أُفْسِح لها المجال للصعود إلى حلبة القول شفاهة وكتابة فإنها لن تخرج منها إلا غانمة.
حين يبحث الرجل عن عزلة للكتابة يخلف امرأة تسدّ مسدّه، ويثق كل الثقة في جدارتها بالقيام بالبيت والأسرة… لكن هل نتصور أن ثمة رجلا يعفي المرأة من مسؤولية البيت وتفاصيله الصغيرة، ويسمح لها بأن تغلق عليها باب مكتبها بالساعات إلى أن تنتهي من إنتاج أثر أدبي أو قراءة كتاب أو كتابة مقال؟ هل نتصور أن ثمة رجلا يهيئ لها الجو المناسب للكتابة ويمنع أطفاله من إثارة الضجيج الذي قد يشتت أفكارها ويضايق تفكيرها؟ هل نتصور أن ثمة رجلا يُحَضِّر – أو يأمر بتحضير – فنجان القهوة لها في الوقت الذي يتداعى فكرها ويحنّ إلى منشّط…؟

The Princess Magazine, Monthly Magazine in Huoston

© 2024 The Princess Magazine. All Rights Reserved. Design and Hosting by CodeYea.com

Sign Up to Our Newsletter