Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

نساء العالم في مواجهة كورونا:

نساء العالم في مواجهة كورونا:

حِكمة سياسية تفوّقت على الشعبويّة الذكوريّة

لعبت النساء في مختلف بلدان العالم دورا بارزا في مواجهة جائحة كورونا، وذلك منذ بداية انتشار الجائحة في الصين في أواخر شهر ديسمبر سنة 2019. واعترفت منظمة الصحة العالمية نفسها بالدور الريادي والهام للنساء في تطويق الجائحة والحدّ من آثارها السلبيّة خاصة في ما يتعلّق بتجنّب الإصابة وتجنّب الوفاة في حالة الإصابة..

ولم يقتصر الدور المتعاظم للنساء في مواجهة كورونا على الإطارات النسائية الطبية وشبه الطبية بل إنّ الأمر يتجاوز ذلك إلى “الحكمة” التي تحلّت بها القيادات السياسية النسائية في بعض بلدان العالم للتصدي لخطر الجائحة، وذلك مقارنة بالقيادات السياسية الرجاليّة، حيث أثبتت بعض الدراسات الصادرة حديثا أنه في مواقع المسؤولية السياسية كانت المرأة أفضل أداء من .الرجل في مواجهة الجائحة وأكثر قدرة على التعامل مع مخاطر كورونا والحدّ منها

قرارات سياسيّة “حكيمة”:

في وقت مبكر من تفشيه تمت الإشادة بقادة دول مثل جاسيندا أرديرن (نيوزيلندا) وتساي إنغ وين (تايوان) والشيخة حسينة (بنغلاديش) لاعتمادهن تدابير مبكرة ضد كورونا من أجل وقف انتشار المرض بشكل مبكر وعدم السماح له بالانتشار الواسع.

وتشير دراسة جديدة في البرازيل إلى أن وجود امرأة كقائدة يمكن أن ينقذ المزيد من الأرواح في حالة حدوث وباء مقارنة بوجود رجل في موقع المسؤولية. فلقد وجد الباحثون أن الولايات التي تحكمها نساء في البلاد سجلت وفيات كوفيد أقل بنسبة 43 في المئة، كما أن معدل دخول المستشفيات كان أقل بنسبة 30 في المئة من تلك المدن التي يحكمها سياسيون رجال. ويقال، في هذا السياق، إن التفسير مرتبط باعتماد تدابير غير دوائية مثل فرض ارتداء الكمامات وحظر التجمعات الكبيرة، وهي الإجراءات التي كانت النساء أكثر ميلا لفرضها.

ما سبب نجاح الدول التي تقودها نساء في مواجهة وباء كورونا؟

كتب باحثون أعدّوا دراسات جديدة: “تقدم نتائجنا دليلا دامغاً على أن القيادات النسائية تفوقت على نظرائها من الرجال عند التعامل مع قضية سياسية عالمية”. وأضافوا قائلين: “تُظهر نتائجنا أيضا الدور الذي يمكن أن يلعبه القادة المحليون في مواجهة السياسات السيئة التي ينفذها القادة الشعبويون على المستوى الوطني”.

ووجدت الدراسة أن القائدات كن أكثر ميلا بنسبة 5.5 في المئة لحظر التجمعات الكبيرة، وأكثر ميلا لتطبيق الاستخدام الإلزامي للكمامات بنسبة 8 في المئة، وأكثر ميلا للإصرار على فرض الاختبارات الإلزامية لدخول مدنهن بنسبة 14 في المئة.

وأراد الباحثون التأكيد على أهمية هذه الخيارات من خلال تقدير عدد الأرواح التي كان يمكن إنقاذها إذا كانت نصف البلدات البرازيلية تقودها نساء (حوالي 13 في المئة فقط من المدن البرازيلية لديها قيادات نسائية حاليا).

وقالوا إن البلاد كان يمكن أن تشهد عدد وفيات أقل بنسبة 15 في المئة، حيث يقدر الباحثون أن 75 ألف برازيلي من أصل أكثر من 540 ألفا فقدوا حياتهم بسبب كوفيد كان من المحتمل أن يكونوا على قيد الحياة اليوم.

ما الذي جعل النساء أفضل من الرجال في صنع القرار؟

نظر الباحثون في مجموعة من العوامل المحتملة مثل العمر والتحصيل العلمي، لكنهم لم يجدوا أي رابط بين هذه العوامل وأفضلية النساء. ووجدوا أيضا أن النتائج لا تتعلق بأية تدابير تم اتخاذها قبل الوباء من شأنها تغيير النتائج الصحية مثل زيادة عدد أسرة المستشفيات أو الاستثمار في الصحة العامة.

ومن المثير للاهتمام في بلد كالبرازيل، أن القيادات النسائية تبنت إجراءات تقييدية حتى في البلديات التي حصل فيها جائير بولسونارو، الرئيس اليميني المتطرف، على نسبة أعلى من الأصوات. وقد عارض بولسونارو بشدة استخدام الكمامات وأي نوع من القيود، وذهب إلى حد انتهاكه شخصيا قواعد التباعد الاجتماعي.

ويقول رافائيل بروس، المؤلف المشارك في البحث وهو من معهد إنسبير: “الحقيقة أنّنا عندما ننظر إلى البيانات المتعلقة بالانتماء الحزبي والسياسي، تميل النساء في منصب العمدة إلى أن يكنّ أكثر تحفظا مقارنة بأقرانهن من الرجال”.

وتقول غاغيت ميراندا، وهي باحثة في السياسة العامة في جامعة ديغلي ستادي دي ميلانو بيكوكا في إيطاليا، إن التفسيرات يمكن العثور عليها في الخصائص التي غالبا ما ترتبط بالنساء.

وقالت الباحثة نفسها: “هناك بحث بالفعل يظهر أن النساء بشكل عام يلتزمن بشكل أكبر بالتدابير غير الدوائية لمكافحة كوفيد، مثل التباعد الاجتماعي واستخدام الكمامات”.

وأضافت قائلة: “إذا قامت النساء بشكل عام بذلك فيجب على رئيسات البلديات القيام بذلك أيضا، وللأخيرات سلطة سياسية لمطالبة السكان باتباع ذلك النهج”.

ما سبب نجاح الدول التي تقودها نساء في مواجهة الوباء؟

نيوزيلندا وألمانيا وتايوان والنرويج دول تقودها نساء، وسجلت فيها وفيات، جراء فيروس كورونا، أقل نسبيا من باقي الدول. وفي هذا السياق أشادت وسائل الإعلام بهؤلاء السياسيات وبمواقفهن، وبالإجراءات التي اتخذنها لمواجهة الأزمة الصحية العالمية. واعتبرتهن مجلة فوربس، في مقال نشر مؤخرا، “أمثلة يحتذى بها في القيادة الحقيقية”.

وأشار ملاحظون إلى أن معظم القادة الذين اجتازوا اختبار كورونا بنجاح هم من النساء على نحو واضح، رغم أن النساء يشكلن 7 بالمئة فقط من قادة العالم.

إذن، ما الذي يجعل النساء أكثر نجاحا، على ما يبدو، في محاربة وباء فيروس كورونا؟

في هذا السياق، أطلقت رئيسة وزراء أيسلندا، كاترين ياكوبسدوتير، حملة واسعة النطاق لإجراء اختبارات للكشف عن وجود الفيروس. ورغم أن عدد سكان البلد هو قرابة 360,000، لم تكتف أيسلندا بالانتظار، بل اتخذت إجراءات للحد من انتشار كوفيد-19، مثل منع التجمعات التي تزيد عن 20 شخصاً، وذلك منذ نهاية شهر جانفي 2020، أي قبل تسجيل أول إصابة بالمرض. وفي 20 أفريل 2020 توفي في أيسلندا 9 أشخاص بسبب الوباء.

وفي تايوان، التي تعتبر رسميا جزءا من الصين، أسست الرئيسة، تساي إنغ ون، على نحو فوري مركزا للسيطرة على الوباء واتخذت إجراءات لاحتواء وتعقب حالات العدوى بالفيروس. كما سرّعت إنتاج وسائل الحماية الشخصية مثل أقنعة الوجه.

في هذه الأثناء، اتخذت رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، واحدا من أكثر المواقف صعوبة في العالم لمواجهة كورونا، فبدلا من سياسة “تثبيت معدل الإصابة”، والذي أصبح هدف كثير من الدول، اتبعت أرديرن نهجا يهدف لوقف حالات العدوى. ففرضت إجراءات الإغلاق عندما وصل عدد الوفيات إلى ست حالات فقط، وفي 20 أفريل 2020 كان عدد الوفيات 12 شخصا.

عوامل أخرى:

ليس وجود القادة النساء هو القاسم المشترك الوحيد بين هذه الدول التي استجابت على نحو جيد للأزمة، بل هناك عوامل أخرى:

تتمتع كل هذه الدول باقتصادات متطورة وأنظمة تضمن رفاهية المواطنين، كما أنها سجلت أعلى معدلات في مؤشر التطور الاجتماعي. يضاف إلى ذلك أنها تمتلك أنظمة رعاية صحية جيدة قادرة على التأقلم مع حالات الطوارئ.

يري متابعون أن هناك دورا للكيفية التي اختارتها كل من هؤلاء النساء لتحديد سياسة البلاد. وفي هذا السياق،تقول الدكتورة غيتا راو غوبتا، التي تعمل مديرة لأحد برامج الأمم المتحدة المتعلقة بالنساء: “لا أعتقد أن هناك أسلوب قيادة خاصا بالنساء ومختلفا عن أسلوب الرجال. لكن عندما تمثل النساء في مناصب قيادية فإنهن يضفين تنوعا على عملية صنع القرار”.

وتضيف الدكتورة: “يؤدي ذلك إلى التوصل لقرارات أفضل لأنك بذلك تستمع إلى رؤى الرجال والنساء. وهذا مختلف عن الأسلوب الذي يتبعه الرجال القادة مثل استعراض العضلات وإنكار الحقائق العلمية، مثل أسلوب الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، والرئيس البرازيلي، جايير بولسونارو”.

كما تقول روزي كامبل، مديرة المركز العالمي للقيادة النسائية في جامعة لندن كوليدج: “ليس هناك أساليب قيادة خاصة بالنساء وأخرى خاصة بالرجال. ولكن وفقا لما بات معتادا اجتماعيا، من المقبول أكثر أن تكون النساء قادة أكثر تعاطفا وتعاونا. وللأسف هناك رجال أكثر وقعوا في دائرة النرجسية والتنافسية الزائدة”.

وتعتقد أن هذه الميول في القيادات الذكورية “تفاقمت بسبب دخول الشعبويين إلى ميدان العمل السياسي”.

مشكلة السياسة “الذكورية”

تشرح روزي كامبل أن القادة الشعبويين يعتمدون على “رسائل مبسطة” للحصول على الدعم، وهذا غالبا ما أثر على نهجهم في إدارة أزمة الوباء.

وكثيرا ما اغتنم القادة السياسيون في كل من أمريكا والبرازيل وإسرائيل والمجر، وغيرها من الدول، الفرص للتهرب من تحمل المسؤولية واللوم الموجه لهم عبر ربط الأزمة بعوامل خارجية، مثل اتهام أجانب “بجلب المرض” إلى بلادهم.

وتضيف البروفسورة كامبل: “لجأ كل من ترامب وبولسونارو إلى تقمص شخصية ذكورية جدا. وهذه الشخصية من اختيارهما. وغالبا لا نجد نساء ضمن صفوف أحزاب اليمين المتطرف الشعبوي، طبعا مع وجود استثناءات واضحة مثل حالة ماري لو بان في فرنسا”.

عموما، كانت الاستجابة لأزمة كوفيد-19 متباينة، وكان أحد أسباب ذلك الواقع الاجتماعي والاقتصادي لكل بلد، إضافة إلى الموارد المتاحة، وقد لا يكون للجندر أي دور في هذا الشأن.

لذلك ففي البلاد التي يديرها القادة الرجال الذين لم يقعوا ضمن الصورة النمطية التي وصفتها البروفسورة كامبل، سجلت وفيات بنسبة أقل من دول أخرى.

The Princess Magazine, Monthly Magazine in Huoston

© 2024 The Princess Magazine. All Rights Reserved. Design and Hosting by CodeYea.com

Sign Up to Our Newsletter