إذا أعطيت فأعط من قلبك، وإذا أخذت فخذ بيد الآخرين.
لا شيء أجمل من أن تزرع الابتسامة على وجه الآخرين، ولا شيء أسمى من أن تخدم وطنك، وتقدم له كل ما استطعت وامتلكت من علم ومعرفة.
كثير من الأشخاص يقدمون من دون مقابل. منهم من يتبرّع بوقته وماله، ومنهم من يتصدّق بكلمة جميلة، ومنهم من يقدّم خدمة بسيطة. فالعطاء ليس فقط بالإنفاق المادي فحسب، ولكن الكلمة الطيبة هي عطاء بحد ذاته، رسم بسمة على وجه طفل أو مسن هو عطاء، تقديم ما تملكه من معرفة ونصيحة أو خبرة هو أيضا عطاء. فكيف إذا جاء من أشخاص مهنتهم تتكلم الإنسانية وتسمو فيها القيم والمبادئ، وعملهم رسالة وأمانة يقدمون فيها خدمات طبية وصحية تساهم في رفع الألم عن أشخاص في أمس الحاجة الى العلاج. وهنا لا أستطيع إلا أن أقدّم تحية تقدير واحترام إلى كل فرد يعمل في المجال الطبي والصحي، إلى كل طبيب وصيدلي وممرض ومعالج فيزيائي وباحث وعالم وغيرهم على عطائهم اللامتناهي في خدمة البشر والبشرية.
خلال مشاركتي في الحملة الطبية والعيادات المتنقلة إلى لبنان مؤخرا، رأيت الإنسانية لدى أخصائيي الرعاية الصحية الذين جاؤوا من أميركا ولبنان ليكونوا جزءا في رسم البسمة على وجوه الآخرين. هؤلاء الأطباء والصيادلة والممرضون وغيرهم من أفراد الطاقم الطبي قدموا كل ما بوسعهم من وقت وجهد وخبرة ومال لمساعدة الآخرين من دون انتظار المقابل. منهم من كان يتكلم اللغة المحلية ومنهم من لا يتكلمها، منهم من كان يعرف العادات والتقاليد ومنهم من لا يعرفها، منهم من زار لبنان من قبل ومنهم من كانت أول زيارة له. ولكن هل تحتاج الإنسانية وخدمة البشرية إلى لغة أو انتماء أو وطن حتى تسمى إنسانية؟ كل ما تحتاجه الإنسانية هي الرحمة والرأفة في قلوب البشر.
في هذه الجولة الطبية الإنسانية وفي وقت يحتاج فيه الكثير إلى الخدمات العلاجية والاستشارات الدوائية، جالت جمعية هوم والجمعية الأميركية اللبنانية الطبية القرى والبلدات اللبنانية لتقديم الخدمات الصحية من معاينات طبية وخدمات صيدلانية وتوزيع الأدوية على المرضى. هؤلاء الأطباء تركوا عائلتهم وأشغالهم وخصصوا أسبوعين متتاليين في لبنان لخدمة الإنسان والإنسانية ابتداء من الأطباء المنظمين الذين عملوا لأشهر عديدة لتنسيق وإتمام هذه المهمة، إلى أطباء وصيادلة قدموا خبرتهم ومعرفتهم لتخفيف وتسكين الألم، إلى جميع أفراد الطاقم الطبي الذي جاء ليحمل رسالة السلام. وأهم ما لفت انتباهي هو طلاب الطب والصيدلة من الجامعات اللبنانية الذين جاؤوا للتطوع والخدمة، وقد برز تفوقهم العلمي ومعرفتهم في مجالهم واندفاعهم في حب الوطن ومساعدة الغير وروح التعاون والعمل الدؤوب والشغف لمهنتهم.
بجميع المقاييس هذه الرحلة تعتبر رحلة عطاء وأمل، رحلة تفان، وإنسانية، ونقاء للروح. خلال هذه الرحلة رأيت في الناس الروح المرحة وحب الحياة رغم كل المعاناة، رأيت الصلاة والدعاء النابع من القلب. رأيت جمال الإنسان، جمال العائلة الأصيلة، جمال الكرم والضيافة والاهتمام بالغير وخدمة الآخرين. لمست سحر الريف اللبناني الأصيل وجمال لبنان الطبيعي. فلبنان هو أكثر من فلكلور ورقص وحفلات ومأكل ومشرب. لبنان بلد الجمال، جمال الروح…. روح شعبه.
مهما مرعلى هذا البلد الصغير من محن وصعاب فهو لن ينكسر ولن ينحني. لبنان شامخ وسيبقى شامخا بأهله وناسه.