Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

النساء والتحرّش الجنسي.. الصمت والخوف من “الفضيحة” يزيد من الصدمة النفسيّة وحالات الانتحار !!

النساء والتحرّش الجنسي.. الصمت والخوف من “الفضيحة” يزيد من الصدمة النفسيّة وحالات الانتحار !!

ليس أن نرغب في فعل شيء كأنْ نُرغَم على القيام به بالإكراه وتحت التهديد.. هذه مسلّمة يتفق حولها الجميع كما يتفقون أيضا على أنّ التحرّش الجنسيّ يقوم أساسا على ثنائيّة الإكراه والتهديد، وهي أخطر الممارسات التي قد يتعرّض لها البشر، وكثيرا ما كانت المرأة ضحيّة للتحرّش الجنسيّ حيث تُجبر مثلا على ممارسة الجنس بالقوّة والاغتصاب ودون إرادتها ورغبتها، وغاية المتحرّش في ذلك إشباع نزواته الحيوانيّة سواء أ كان في لحظة وعي بما يمارسه من إجرام أو في لحظة غيلب لذلك الوعي.
ويتّفق علماء النفس أن التحرّش له درجات حيث يمكن أن يكون معنويّا أي بالكلمات أو النظرات “الجنسيّة” أو أحيانا افتراضيّا كما يمكن أن يكون مباشرا عبر ملامسة الجسد أو عبر التعذيب الجسدي بواسطة الجنس. والمعلوم أيضا أنّ كل الفئات الاجتماعيّة قد تكون ضحيّة للتحرش الجنسي لكن تظل المرأة هي المستهدف الأوّل من هذا العمل الوحشي..

الصدمة النفسيّة:

تشير أحدث الدراسات إلى أنّ الكثير من الفتيات والسيدات تعرّضن للتحرش الجنسي خلال حياتهن لمرة واحدة على الأقل، وذلك إمّا في أماكن العمل أو الدراسة أو الترفيه أو مع الأقارب.. وبالرغم من اختلاف أسلوب التحرش، إلا أن الألم النفسي الناتج عنه يعتبر واحدًا، ولا يزول بمجرد انتهاء الاعتداء، ولكنه قد يمتد لسنوات عديدة، ويتم استدعائه بمجرد التعرض لموقف مشابه، وتعرف تلك الحالة بـ “التروما” النفسية.

وتعني “التروما” في علم النفس الصدمة النفسية الشديدة التي تحدث بسبب التعرض لحادث مفاجئ وأليم يسيطر على الشخص، ويعجز عن كبحه، مما يولد الخوف والرعب الذي يسيطر على تفكيره وردة فعله. وقد يتسبب ذلك في ظهور الكثير من الأعراض العاطفية الحادة، مثل القلق والتوتر والخوف، فضلًا عن بعض الأعراض الأخرى التي تصاحبها، وتستمر لفترات طويلة قد تمتد لسنوات.

ولا ينتهي تأثير الصدمة بعد انقضاء حادثة التحرش، ولكن قد تعيش الفتاة في حالة من الصدمة المتجددة، عندما ييتم استرجاع الذكريات المتعلقة بتلك الحادثة، أو عند توافر المثيرات النفسية التي تجعلها تمر بنفس المشاعر التي عاشتها في تلك التجربة، حيث يعد التحرش الجنسي من أبرز الصدمات النفسية العنيفة التي تعاني منها الكثير من السيدات حول العالم.

حالات إبلاغ عن التحرّش:

من خلال دراسة رائدة أعدّتها منظّمة نسويّة حقوقيّة، أبلغت امرأة من بين كل 10 نساء في الاتحاد الأوروبي عن تعرضهن للتحرش عبر الإنترنت منذ سن 15 عاما، كما أشارت الدراسة التي ضمت بلدانا متعددة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى أن ما بين 40 و60 بالمائة من النساء تعرضن للتحرش الجنسي في الشوارع، وفقًا للتحديث الأخير لمنظمة الأمم المتحدة للمرأة في يونيو 2019.

مراحل التأثير النفسي للتحرش:

إنّ تجربة التحرش الجنسي التي قد تتعرض لها السيدات والفتيات في الشوارع، ووسائل المواصلات، وأماكن العمل، أو الجامعات وغيرها، تظل من أسوأ الصدمات النفسية التي تمر عليهن خلال حياتهن، إذ تتعرضن لعدد من المراحل في التعامل مع الواقعة، وتختلف ردة فعل كل منهن إزاء ذلك العنف، وتتمثل أولى تلك المراحل بمرحلة الصدمة، وهي حدوث فعل التحرش سواء كان لفظيًا أو جسديًا أو بأي أسلوب آخر، وهو فعل يصيب الفتاة بالصدمة، نتيجة عدم توقعها له، وتختبر عدد من المشاعر بشكل سريع ومفاجئ ومتعاقب، حيث يغلب عليها الشعور بالخوف والرعب والتوتر والعجز، فضلًا عن الشعور بالظلم.

والملاحظ أنّ بعض الفتيات اللائي يستطعن مواجهة فعل التحرش، أو التعامل مع المعتدي، قد تستطيع مواجهة ما هو أخطر من الصدمة، حيث أثبتت الدراسات أن السيدات والفتيات اللاتي يستطعن الدفاع عن أنفسهن ضد المتحرش، وأخذ أي إجراء ضد المعتدي، يشعرن بوطأة أقل من غيرهن ممن لا تقدرن على المواجهة. وفي هذا السياق، أشارت منظمة الأمم المتحدة للمرأة أن حوالي 80% ممن تتعرض للتحرش الجنسي، لا يفصحن عن الأمر، ولا يستطعن أخذ أي إجراء ضد المعتدي.

وأما ثاني تلك المراحل فهي ما يسمّى بمرحلة اضطراب ما بعد الصدمة، إذْ بعدما تختبر المرأة المشاعر المختلطة والمتعاقبة بعد وقوع صدمة التحرش، تدخل في مرحلة أخرى جديدة تعرف بـ”اضطراب ما بعد الصدمة”، وعندها تشعر الفتاة بالظلم والقهر ولوم الذات، بسبب عدم القدرة على الدفاع عن النفس، أو أخذ أي إجراء ضد المعتدي، وقد تشعر بعدم الثقة في النفس، وتصاب ببعض الأعراض النفسية والبدنية.

وأمّا المرحلة الأخيرة فهي مرحلة الذكريات، فحين يتم تجاوز مرحلة ما بعد الصدمة بكل قسوتها، تنتقل الحادثة إلى حقيبة الذكريات الأليمة، وتذهب للذاكرة بعيدة المدى، وبالرغم من ذلك، إلا أنها تسترجع ثانية بمجرد استدعاء الموقف، أو المرور بتجربة مشابهة، أو الحديث عن الموقف، أوعندما تتعرض فتاة أخرى لموقف مشابه، أو عند فضح أحد الجناة، أو استعراض موقف متشابهة عبر الشاشات. وفي تلك المرحلة، عندما تبدأ الفتاة في استرجاع التجربة، قد تمر بنفس المشاعر التي مرت بها وقت وقوع الحادثة، وتشعر بنفس الخوف والقلق والذعر، ويختلف تقديرها لذاتها، وينتابها شعور بالكره والغضب واللوم، وقد ترسم بعضهن سيناريو آخر لتلك الواقعة في مخيلتها تستطيع فيه انتزاع حقها من الجاني. وقد تصل بها هذه الحالة النفسية إلى التفكير في الانتحار.

درجات متفاوتة للضرر النفسي:

تختلف درجات الضرر النفسي الناتج عن التحرّش الجنسي باختلاف مصادره أو أماكن حدوثه وكذلك باختلاف مدى تعامل المرأة المتضرّرة مع الحادثة. وتنبني درجات الضرر النفسي على معطيات هامة أبرزها درجة علاقة المعتدي بالضحيّة، فكلما كان المعتدى يمثل مصدرا من مصادر الأمان والحماية للضحية يكون له بالغ الأثر السيء على الضحية.

وتتفاوت درجات الضرر النفسي كذلك بتكرار مرات الاعتداء والمكان الذي حدث فيه الاعتداء، فكلما تكرر الاعتداء، زاد عمق الصدمة النفسية التي تتعرض لها الضحية. وكلما كان المكان مكشوفا مثل الشارع، شعرت الضحية بالتحطّم النفسي أكثر.
وفضلا عن ذلك يكون للمرحلة العمرية التي حدث فيها الاعتداء دور في تحديد مدى الضرر، فمرحلة الطفولة والمراهقة تختلف آثارها النفسية والاجتماعية عن مرحلة الشباب والنضج، فالطفلة في هذه المرحلة تبدأ في تكوين منظومة للأمان والحماية. وهذه الصدمة تدمر المنظومة في مهدها.

وإلى جانب ذلك، هناك التركيبة الشخصية والنفسيّة للمتضررة من التحرش، فالمرأة التي تمتلك متانة نفسية عالية ومساندة أسرية واجتماعية تستطيع التعافي من هذه الصدمة بيسر أكبر من غيرها التي تعاني من الوحدة والرفض. ويرتبط ذلك أحيانا بخوف المتضررة من عواقب تقديم بلاغ ضد المعتدي، وسهولة اتهامها بالمسؤولية فيما جرى. كما قد يرتبط برد فعل المجتمع المتعارف عليه ضد المتضررة من رفض الاعتراف بالحدث والانشغال بأمور أخرى تبدو أكثر أهمية من الناجية نفسها مثل (الفضيحة).

وأمام كل ذلك فإنّه من الضروري أن نؤكد على أهمية تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررات من الاعتداءات الجنسية، لتجنب التشوهات النفسية والاجتماعية التي قد تحدث لهنّ بشكل مباشر أو غير مباشر من جراء ذلك. كما إنّه من الضروري فضح جرائم المتحرّشين ومقاومة كل أشكال التحرّش بالطرق القانونيّة وبالأساليب النضاليّة النسويّة.

The Princess Magazine, Monthly Magazine in Huoston

© 2024 The Princess Magazine. All Rights Reserved. Design and Hosting by CodeYea.com

Sign Up to Our Newsletter